info@archon-defense.com

Archon

هل يُسهم الإنفاق الدفاعي في بناء الاقتصاد؟

9 hours ago
1 views
0 comments
3 min read

عندما تدخل دولة ما في سباق تسلّح أو تزيد ميزانية الدفاع، قد يظنّ البعض للوهلة الأولى أن هذا تبديد للموارد على حساب التعليم والصحة، لكن الحقيقة الاقتصادية أعقد من ذلك بكثير.

لنبدأ بمفهوم بسيط في الاقتصاد العسكري يُعرف بـ الكينزية الدفاعية (Defense Keynesianism)، وهي نظرية تقول إنّ الإنفاق العسكري يمكن أن يتحوّل إلى محرّك للنشاط الاقتصادي، ولكن متى يحدث ذلك؟ حين يُصمَّم هذا الإنفاق بشكل صحيح.

أي إنّ الدفاع لا يكون مجرد استهلاك، بل يمكن تحويله إلى استثمار في الصناعة والبحث العلمي وسلاسل الإمداد المحلية.

الولايات المتحدة بعد الحرب العالمية الثانية مثال واضح على ذلك؛ إذ كان المشروع الدفاعي الأمريكي السبب الرئيس في بناء المنظومة التكنولوجية الحديثة التي نراها اليوم.

شركات مثل بوينغ، ولوكهيد، وجنرال إلكتريك، وآي بي إم (IBM)، كان الاستثمار في الدفاع من أهم أسباب تطورها.

فالدولة كانت تنفق مبالغ ضخمة على الجيش، لكن في الحقيقة كانت هذه الأموال تُوجَّه إلى البحث والتطوير والهندسة والإنتاج المدني طويل المدى.

كل دولار أُنفِق في تلك الفترة على الدفاع خلق وظائف، ومعرفة، وبنية تحتية صناعية استخدمها الاقتصاد المدني لعدة عقود لاحقة.

ومع ذلك، لا بدّ من فهم أنّ ليس كل إنفاق دفاعي يولّد الأثر نفسه. فهناك فرق كبير بين أن تُنفق على مشتريات جاهزة من الخارج، وبين أن تُنفق على تصنيع محلي.

النوع الأول يبدّد العملة الصعبة ويوقف الدورة الاقتصادية الداخلية، أما النوع الثاني فيخلق طلباً تكنولوجياً حقيقياً داخل الاقتصاد ويحرك شبكات الموردين المحليين من الشركات الصغيرة والمتوسطة.

في كوريا الجنوبية، لا يُعَد الإنفاق الدفاعي هدفه الردع فقط، بل يُستخدم كأداة لبناء قاعدة صناعية وتقنية محلية.
فهم لا يصنعون دبابات ومدافع فحسب، بل يستخدمون كل مشروع عسكري كمعمل تكنولوجي وورش تدريب للمهندسين.

واليوم، شركات مثل هانوا (Hanwha)وLIG Nex1تُصدّر أنظمة تسليح متقدمة، وفي الوقت نفسه تقود صناعات إلكترونية ومدنية تدرّ مليارات على الاقتصاد الوطني.

اقتصادياً، يُسمّى هذا المنطق تأثيرات الانسكاب المزدوج (Dual Spillover Effects)، أي إنّ كل دولار دفاعي يجب أن يؤدي دورين: مرة يخدم المهمة العسكرية، ومرة يغذّي منظومة إنتاج مدني أو معرفة تكنولوجية.

أما الدول التي تتعامل مع الدفاع كصندوق إنفاق مغلق، دون شفافية أو رؤية اقتصادية، فإنها تحوّل ميزانية الجيش إلى عبء مالي بدلاً من أن تكون رافعة اقتصادية. فتُصرَف الأموال دون إنتاج للمعرفة، ودون بناء لمورّدين محليين، ودون أي استثمار حقيقي في البحث والتطوير.

إذن، الإنفاق الدفاعي ليس خيراً ولا شرّاً في ذاته، إنما هو أداة، وطريقة استخدامك لها هي التي تحدّد مصيرها.
فإذا كانت لديك منظومة تربط بين الدفاع والصناعة والجامعات والسوق، يتحوّل السلاح إلى استثمار تكنولوجي ناجح.
أما إذا كان الدفاع يُدار بعقلية المشتريات الحكومية البيروقراطية، فستُنفق كثيراً وتتعلّم قليلاً، وتظلّ دوماً مستورداً للسلاح، محتاجاً لغيرك في الحماية التكنولوجية.

ذلك تحديداً هو الفرق بين دولة تمتلك صناعة دفاع، ودولة تمتلك ميزانية دفاع.