info@archon-defense.com

آركون

هل يعني عرض نموذج لطائرة مسيّرة أنك تمتلكها بالفعل؟

منذ 10 ساعات
1 المشاهدات
0 comments
4 دقيقة/دقائق للقراءة

 

لقد عملت فترةً في شركتين متخصصتين في الطائرات المسيّرة من قبل، وتولّيت فيهما منصب مدير مشروع، مما يعني أنني تعاملت يومياً مع الجوانب التقنية، إلى جانب العقود والاتفاقات الداخلية والخارجية (مع دول أخرى)، كما أشرفت على تجهيز اختبارات وتسليم لمشروعات تخصّ قوات المشاة والدرك، وكذلك لدولة عربية. ولهذا أظن أن لديّ معرفة متراكمة أحب أن أشاركها لنفهم الصورة بشكل أعمق، والأهم من ذلك حتى لا يعتمد صانعو السياسات في مصر على التهويل بإنجاز لم يكتمل بعد، فيتركون المهندسين والشركات في منتصف الطريق بحجة أنه كان مجرد "رفعٍ للروح المعنوية"!

أنا حقاً سعيد جداً بما قامت به شركة تورنكس المصرية في معرض إيديكس 2025؛ إذ عرضت عدة طائرات مسيّرة، وهناك تغطية إعلامية جيدة لأعمالها، ولكن هناك عدة نقاط مهمة ينبغي الحديث عنها.

أي شركة في العالم يمكنها أن تصنع نموذجاً لطائرة مسيّرة، بل يستطيع فردٌ واحد فعل ذلك بسهولة. لكن الفكرة تكمن أولاً في: هل تمّت برمجتها وتشغيلها واختبارها وتم بيعها فعلياً؟ للأسف حتى الآن، لا. وأتمنى أن يحدث ذلك في أقرب وقت ممكن.

ثانياً، الطائرات المسيّرة المعروضة حالياً يوجد ما يماثلها في كثير من الدول التي ليست من الروّاد في هذا المجال كأمريكا أو إسرائيل أو الصين أو تركيا، بل حتى في دول مثل التشيك، والإمارات، والهند، والبرازيل لديهم طائرات مسيّرة بإمكانات تقنية مشابهة، وأخرى تفوقها. ومع ذلك، تبقى فكرة أن نخطو خطوة في هذا المجال أمراً مهماً ومحترماً ويتطلّب الدعم والاستمرار.

ثالثاً، هناك منظومة كاملة تقف خلف كل طائرة مسيّرة. فبدون نظام تحكم ومحطة أرضية وشبكة اتصالات مشفّرة ومدى تشغيل فعّال، تظلّ الطائرة مجرد هيكلٍ يطير لبضع دقائق، ولن يمكن بيعها أبداً. الدول تشتري منظومة متكاملة، لا مجرد جسمٍ طائر. فاليوم لم تعد هذه الصناعة مجرد هيكل وكاميرا، بل تشمل إدارة البيانات، وبروتوكولات الاتصال، والتشفير، وتحليل الصور، والأهم من ذلك التكامل مع أنظمة أخرى.

النقطة الرابعة التي تحدثت عنها سابقاً في بعض الفيديوهات هي سلاسل الإمداد. هل نحن نصنع المستشعرات؟ والكاميرات الحرارية؟ وأنظمة الملاحة؟ وأنظمة التشويش؟ والمحركات؟ (قد لا تكون المحركات ضرورية الآن في النماذج المعروضة، لكنها ستكون لاحقاً). أم أننا ما زلنا نعتمد اعتماداً شبه كامل على الاستيراد؟ وليس في ذلك خطأ، لكن يجب أن تكون لدينا رؤية واضحة وشبكات موثوقة نعتمد عليها، وخطة للتصنيع المحلي التدريجي، أو على الأقل أن نشتري من مصادر متعددة حتى لا نُقيَّد سياسياً أو تقنياً. إذ يمكن أن يؤدي توقف شريحة إلكترونية واحدة إلى تعطيل المشروع لشهور وربما لسنوات.

النقطة الخامسة، لا يمكن لأي طائرة مسيّرة في العالم أن تنجح دون أن تُختبر ميدانياً. وأقصد هنا الاختبارات التي تجريها قوات جوية وبرية ومقاتلون حقيقيون، إلى جانب اختبارات الشركة – وهي جزء أساسي من عملية التصنيع. ما أعنيه أن الضابط الميداني يجب أن يعود ليقول مثلًا: "المستشعر لم يعمل عند ارتفاع درجة الحرارة"، أو "البطارية نفدت بسرعة في الجو البارد"، أو "الإشارة انقطعت على مسافة معينة"، أو "الإقلاع لم يكن مستقراً في وجود الرياح".

أما النقطة الأهم، وهي الغرض الرئيس من كتابة هذا الكلام، فهي الاستمرارية. أخطر ما قد يواجه أي مشروع دفاعي هو أن يبدأ بداية ضخمة ويحظى بضجة إعلامية، ثم يتوقف فجأة. حدث ذلك في مشاريع كثيرة من قبل. إن صناعة الطائرات المسيّرة تحتاج إلى الصبر، وإلى تمويلٍ طويل الأجل، وإلى إرادة سياسية توفر هذا التمويل بشكل مستمر. كما تتطلب فهماً من صانعي القرار بأن النجاح لا يتحقق من أول نموذج، ولا من أول معرض، ولا أن تكون هذه المشاريع مجرد مواد دعائية تُعرض في برامج أحمد موسى أو عمرو أديب.

العالم مليء بالنماذج التي ظهرت في المعارض ثم اختفت بعدها، بل وحتى مشاريع لدول كبرى فشلت رغم الميزانيات الضخمة.

فالولايات المتحدة نفسها ألغت مشروع Global Hawk Block 30لأنه كان أغلى من قيمته، ومليئاً بمشكلات الاعتمادية والتشغيل. كما أوقفت البحرية الأمريكية مشروع Fire Scout (مروحية مسيّرة) بعد أعطال متكررة وعجزها عن العمل بكفاءة على متن السفن.

أما بريطانيا فقد خسرت أكثر من مليار جنيه إسترليني في مشروع Watchkeeper، إذ سقطت منها عشر طائرات، وتأخر المشروع ثماني سنوات، وفي النهاية لم يعمل ولم يُصدّر كما كانوا يأملون.

كوريا الجنوبية أوقفت مشروع KAI Uبعد تكرار فشل المحرك وفشل اختبارات الارتفاع، ورفض الجيش استلامه.
وروسيا حاولت تطوير مسيّرة Dozor 600لكنها أوقفت المشروع لأن معظم الإلكترونيات كانت مستوردة، ومع العقوبات فشلت الخطة بأكملها.

ما أودّ قوله هو أن عرض نموذج أو شكلٍ خارجي لا يعني بالضرورة أنك تمتلك صناعة حقيقية. حتى الدول العظمى فشلت لأن المنظومة الكاملة خلف المشروع كانت ناقصة. لذا، النجاح الحقيقي ليس في عرض نموذج أو ماكيت، بل في الاستمرار والإرادة الحقيقية لإنجاح المشروع.

وهذا الكلام لا يُقصد منه التقليل من جهد أحد، بل على العكس تماماً؛ ما قامت به شركة تورنكس خطوة محترمة جداً ومهمة للغاية ويجب تشجيعها. لكن التشجيع الحقيقي لا يكون بالتهليل واعتبار أننا قد وصلنا بالفعل، بل بالاستمرار في العمل بالجدية ذاتها، مع وجود رؤية واضحة وإرادة ثابتة. فصدقني، أخطر ما يمكن أن يصيب صناعة دفاعية ناشئة هو أن تنبهر بنفسها مبكراً، أو أن تتحوّل صور المعارض إلى لقطات سياسية مؤقتة فقط.