info@archon-defense.com

آركون

المقاتلات المصرية وتنوع التسليح

منذ 8 ساعات
3 المشاهدات
0 comments
5 دقيقة/دقائق للقراءة

حتى عام 2015، كانت القوات الجوية المصرية مبنية تقريبًا بالكامل على مقاتلات F-16. وهي مقاتلة مهمة بلا شك، إلا أن النسخة التي بيعت لمصر كانت محدودة القدرات الهجومية بشكل كبير بسبب القيود الأمريكية المفروضة على التسليح عمومًا، وعلى مصر خصوصًا.

فالنسخ التي تمتلكها مصر لديها قدرات هجومية محدودة (مثل صواريخ Maverickوالقنابل الموجهة)، لكنها محرومة من صواريخ AIM-120 AMRAAM، ما يعني غياب القدرة على الاشتباك خلف مدى الرؤية. فضلًا عن غياب صواريخ JSOW، وعدم وجود قدرات اختراق عميق أو صواريخ مضادة للرادارات على مستوى متقدم. لذلك أصبحت الـ F-16منصة دفاعية أكثر منها هجومية، وذلك لسبب وحيد معلن ومعروف، وهو الحفاظ على التفوق النوعي لإسرائيل في المنطقة.

طلبت مصر نحو 220 طائرة F-16، وقد دخل الخدمة فعليًا حوالي 218 طائرة، وهي أرقام موثقة ومعلنة. غير أن معدلات الجاهزية القتالية غير معلنة رسميًا، وتقدَّر ما بين 160–180 طائرة.

ويضاف إلى ذلك الملحق الأمني في اتفاقية السلام، الذي يقيِّد الانتشار الجوي القتالي في أجزاء من سيناء، وإن كانت هناك تفاهمات بعد عام 2011 سمحت بعمليات جوية محدودة للقوات الجوية المصرية. إلا أن القيود القانونية الأصلية ما زالت قائمة.

بدأت مصر بعد ذلك باتخاذ خطوات نحو كسر الاعتماد الكامل على الولايات المتحدة وتنويع ترسانتها العسكرية، وهي خطوات يجب دعمها وتشجيعها لأنها تمثل نقطة تحوّل مهمة. ولا ينبغي لأي خلافات سياسية أن تجعلنا نقلل من أهمية هذه الخطوات.

الخطوة الأولى كانت شراء مقاتلات رافال الفرنسية.

ورغم كل ما يقال عن مشكلات الرافال، فإن هناك عوامل أخرى لا تقل أهمية، مثل سرعة التسليم وعدد المقاتلات والذخائر المرافقة لها. كانت هذه أول مقاتلة في القوات الجوية المصرية تمتلك تسليحًا هجوميًا متكاملًا، حيث شملت:

·       صواريخ SCALP-EGللضربات العميقة (مدى 250–500 كم).

·       صواريخ MICAللقتال جو–جو.

·       قنابل AASMالذكية المتقدمة.

·       صواريخ Exocet AM39المضادة للسفن.

وهذه قدرات لم تتوافر من قبل في الـ F-16المصرية.
ولأول مرة أصبحت لدى مصر مقاتلة قادرة على تنفيذ مهام هجومية من دون إذن أمريكي أو تحكم سياسي خارجي في قرار استخدامها خلال الأزمات، مما يعزز قدرة الردع ويكرّس الاستقلال في القرار العسكري.

الخطوة الثانية كانت شراء مقاتلات ميغ-29 الروسية، والتي تمثل إضافة مهمة لأنها جاءت بحزمة ذخائر هجومية تحتاج إليها مصر، منها:

·       R-77 (وهو نظير الصاروخ الأمريكي الممنوع AMRAAM).

·       R-73للقتال القريب.

·       KH-31المضاد للرادار والسفن.

·       KH-29للاختراق وضرب الأهداف الأرضية.

صحيح أن الـ ميغ-29 تعاني من مشكلات في الرادار والصيانة، كما أن الدعم الروسي تأثر بالحرب، لكنها تظل عنصرًا ضروريًا لأنها تمنح مصر قدرات هجومية مستقلة عن السياسة الأمريكية.

تاريخيًا، كانت الولايات المتحدة دائمًا تبيع السلاح وفق شروط وحسابات سياسية معقدة، على عكس روسيا. ومن هنا يمكن التنبؤ بأن سوريا ستتجه مستقبلًا بشكل أكبر إلى شراء أسلحة روسية وربما صينية أيضًا.

ثم جاءت صفقة سوخوي-35، التي لو كانت دخلت الخدمة رسميًا لكانت شكّلت نقلة نوعية هائلة. لكن الصفقة توقفت بسبب تهديدات قانون كاتسا الأمريكي بالعقوبات، ما أدى إلى تحويل جزء كبير من التصنيع إلى إيران. ويؤكد ذلك مجددًا أن الاعتماد على السلاح الأمريكي أو النفوذ الأمريكي ليس آمنًا ولا مضمونًا.

أما ميراج-2000، فما زالت موجودة ولكن بدور تكميلي وعدد محدود (حوالي 19 طائرة). هي أكثر تحررًا من القيود الأمريكية، لكنها دون الرافال كثيرًا في القدرات والتسليح.

الملف الجديد والمهم يتمثل في مشروع المقاتلة التركية. حتى الآن، لا توجد وثيقة رسمية من الحكومتين، لكن هناك تقارير صناعية واستخباراتية تشير إلى أن تركيا وافقت مبدئيًا على مشاركة مصر في المشروع، وأن هناك مفاوضات جارية بشأن نقل التكنولوجيا والمشاركة في الإنتاج.
وإذا اكتمل هذا التعاون، فسيكون نقلة استراتيجية حقيقية، وقد يفتح الباب أمام تطوير قدرات تصنيع محلي لمقاتلة من الجيل الرابع++ أو الخامس للمرة الأولى.

إذا رسمنا خطًا زمنيًا، نجد أن مصر تسلمت آخر أربع طائرات F-16عام 2015، وفي العام نفسه أبرمت صفقة الرافال لـ 24 طائرة. وفي عام 2021تم التعاقد على 30 طائرة رافال إضافية. أيضًا في 2015تم الاتفاق على 46 طائرة ميغ روسية، وفي عامي 2018 و2019 جرى توقيع اتفاقية سوخوي-35 التي أُلغيت لاحقًا بسبب العقوبات الأمريكية.
أما في عام 2024، فتشير تقارير غير مؤكدة إلى اتفاق مصري محتمل على المقاتلة الصينية J-10Cوربما J-35أيضًا.

كل ذلك يقود إلى نقطة مهمة، وهي أن تنويع مصادر التسليح خطوة استراتيجية ضرورية، وقد اتخذتها مصر في الوقت المناسب. ومن المؤكد أن وراء هذه الخطوات جهودًا دبلوماسية كبيرة، لأن ملف التفوق النوعي الإسرائيلي ليس سهلًا.

أحد أهم أسباب هذه الخطوة هو أن الاعتماد الكامل على الولايات المتحدة، في ظل علاقة سياسية غير مستقرة معها، يجعل القوة الجوية المصرية رهينة لقرار سياسي خارجي.

لذلك، فإن التنويع يخلق منظومة ردع مستقلة؛ فرنسا توفر الذخائر العميقة، وروسيا تقدم القدرات المضادة للرادارات، وتركيا تتيح شراكة في التصنيع. كل ذلك يعزز استقلالية القرار والسيادة الوطنية.

لكن تبقى المشكلة الرئيسية في التكامل بين أنظمة التسليح المختلفة، نظرًا لتعدد سلاسل الإمداد، والمعدات الأرضية، والتدريب، والصيانة، وأنظمة الدعم الفني، والمدارس القتالية. وهو تحدٍّ كبير يتطلب إدارة وهندسة دقيقة.
وقد قرأت مؤخرًا أن هناك جهودًا تقنية مصرية تُبذل في هذا الجانب.

ويمثل هذا التوجه خطوة تاريخية، إذ تبني مصر لأول مرة استقلال قرارها في قدراتها الجوية، وتخرج بذكاء من زاوية كانت محصورة فيها.

ورغم ما يصاحب تنوع التسليح من تحديات في التكامل بين الأنظمة، إلا أن هذا التنويع يبقى ضرورة ملحّة، وقد أدركت مصر ذلك في وقت مناسب، حتى وإن جاء متأخرًا بعض الشيء.

وفي رأيي، فإن الأوضاع الدولية الحالية، بما فيها التوترات السياسية ووجود إدارة مثل إدارة ترامب سابقًا، إلى جانب تصاعد الضغوط على الكيان الإسرائيلي، تمنح مصر فرصة تاريخية للاستمرار في تطوير سياسة التنويع الدفاعي.
لأن استقرار الأوضاع العالمية مستقبلًا قد يعني تراجع هذه الفرصة وازدياد الضغط الخارجي على القاهرة.