info@archon-defense.com

آركون

الشركات الصغيرة والمتوسطة في الصناعات الدفاعية

منذ 10 ساعات
1 المشاهدات
0 comments
3 دقيقة/دقائق للقراءة

هل تعلم أنه إذا كانت الدولة التي تعيش فيها تسمح بمشاركة القطاع الخاص في الصناعات الدفاعية (وهو الوضع الطبيعي في معظم دول العالم)، فإن الشركات الخاصة تكون قادرة على التحرك والتواصل بشكل مباشر مع شركات دفاع أجنبية، سواء بهدف الشراء أو التعاون أو نقل الخبرات؟

عادةً ما يبدأ هذا التواصل بمجرد إرسال بريد إلكتروني يتضمّن طلب معلومات (RFI)، مع حضور المعارض الدفاعية الدولية، وإجراء زيارات فنية للاطلاع على المنتجات والقدرات المتاحة.

أي اتفاق يتم بين شركتين في المجال الدفاعي يكون في مراحله الأولى فقط، ولا يُعد نهائيًا. فالعقود المرتبطة بالأسلحة أو الأنظمة السيادية أو التكنولوجيا الحساسة تكون مشروطة بموافقات حكومية مسبقة، وتخضع لرقابة الجهات المختصة في الدولتين، سواء كانت وزارات الدفاع أو هيئات الصناعات الدفاعية أو مكاتب الرقابة على التصدير.

لكن بشكل عام، الفرص المتاحة أمام الشركات الخاصة حقيقية وموجودة، حتى في الدول التي ليست من كبار مصدّري السلاح. فكثير من الشركات في الصناعات الدفاعية العالمية تعمل بمنطق سلاسل الإمداد، ولا تصنع كل شيء بنفسها. وهذا يفتح الباب أمام شركة خاصة في دولة مثل مصر، إذا كانت تمتلك قدرة صناعية حقيقية ومعايير جودة واضحة، لأن تتواصل مع شركة دفاع تركية أو أوروبية وتعرض تصنيع مكوّن معين بسعر أقل، أو بجودة أعلى، أو بسرعة تسليم أفضل.

الحديث هنا يكون غالبًا عن مكونات، وهياكل، وأجزاء ميكانيكية، وإلكترونيات غير حساسة، وأعمال تجميع وتصنيع تعاقدي، وليس عن أنظمة سيادية كاملة. لكن مع ذلك، تظل هذه فرصة حقيقية لجلب عملة صعبة واكتساب معرفة عملية بجوانب من التكنولوجيا.

هذا النوع من التعاون يحدث بالفعل في دول كثيرة، ويبدأ عادةً بتعاقدات صناعية جزئية، أو برامج التعويضات الصناعية (Offsets)، أو عبر دخول الشركات كموردين ثانويين.

وهو مسار طبيعي لبناء خبرة حقيقية دون صدام مع اعتبارات الأمن القومي أو قيود التصدير. ومن ثم يمكن أن تكون هناك فرصة – حتى إن لم تكن في بيع السلاح مباشرة – للمشاركة في منظومة صناعية أوسع، والعمل وفق قواعدها، والنمو خطوةً فخطوة.

أتدري من الذي يمنع الشركات المصرية من دخول السوق بهذا الشكل ومن إفادة الصناعة المصرية والعملة الصعبة؟
ليست دولًا معادية، ولا مؤامرات، ولا أي شيء من هذا القبيل… بل هو التعنت والجهل والبيروقراطية.

العائق الحقيقي أن البيئة نفسها طاردة. فأي شركة خاصة تحاول التحرك في هذا المسار تصطدم منذ اليوم الأول بمنظومة ترى أن أي اقتراب من مجال الدفاع يجب أن يظل حكرًا مغلقًا، حتى وإن كان الأمر يتعلق بمسمار أو كبينة أو لوحة إلكترونية لا تحمل أي حساسية سيادية.

إجراءات لا تنتهي، وموافقات غير واضحة، وجهات متعددة كل واحدة منها تقول “هذا ليس اختصاصي”، مع خوف مزمن من اتخاذ القرار، لأن الصورة العامة لدينا أن أي خطوة ستُحاسب عليها سياسيًا لا إداريًا.

وفي الوقت نفسه، لا أحد يوضح خريطة الطريق. لا يوجد دليل يشرح للشركات ماذا تفعل إن أرادت أن تدخل كمورد دفاعي: من تتواصل معه؟ ما المسموح وما الممنوع؟ كيف تستعد بمعايير الجودة والشهادات المطلوبة؟ في دول كثيرة، هذه الأمور مكتوبة ومعلَنة، وهناك فصل واضح بين الصناعات السيادية وسلاسل الإمداد الصناعية. أمّا لدينا، فالأمران موضوعان في سلة واحدة ومغلقان بإحكام.

أصبح لدينا شركات مصرية تمتلك قدرات حقيقية في تشغيل المعادن، والقطع باستخدام CNC، وتصنيع المواد المركّبة (Composites)، والإلكترونيات الصناعية، لكنها تظل حبيسة سوق محلي ضعيف. بينما الشركات من النوع نفسه في تركيا أو أوروبا الشرقية أصبحت جزءًا من سلاسل الإمداد لطائرات ومسيّرات ورادارات وأنظمة بحرية، وتعمل في التصدير بالدولار واليورو. والأهم من ذلك، أنها تتعلّم وتنمو.

هذا هو المسار الطبيعي، المنضبط، والمحمِي قانونيًا. فجميع دول العالم تقريبًا سلكت هذا الطريق لبناء صناعاتها خطوة بخطوة. وتجاهل هذا المسار ليس حمايةً للأمن القومي، بل هو إهدار لفرص، وإغلاق لباب يمكن أن يجلب عملة صعبة، وينمّي المعرفة الصناعية، ويخلق فرص عمل، ويُرسّخ قاعدة حقيقية لأي طموح دفاعي مستقبلي.