يا شباب، ادرسوا علوم الدفاع والأمن. دعوا عنكم أنظمتنا التعليمية والإعلامية التي غرست فينا الخوف من هذه المجالات، وزرعت في عقولنا رهبة حتى من مجرد الحديث عنها.
فهذه المجالات مفتوحة في جميع أنحاء العالم لكل من يرغب في دراستها. تصفّحوا مواقع جامعات الدفاع وكليات الأمن، بل وحتى كليات علوم الاستخبارات، ستجدونها تفتح أبواب القبول للأجانب وللمواطنين على حدّ سواء.
خريجو التاريخ والهندسة والإحصاء والاقتصاد والعلوم السياسية والعلاقات الدولية، بل وحتى خريجو كليات الشريعة، يستطيعون دراسة الماجستير والدكتوراه في مجالات الأمن والدفاع والاستخبارات.
ادخلوا هذه المجالات لكي نفهم كيف تعمل جيوش بلادنا على نحو صحيح، وما الذي تحتاج إلى تطويره. لنعرف ما الذي ينقص صناعتنا الدفاعية وكيف يمكن تحقيقه. كي نفهم القرارات التي لطالما رأيناها من الخارج دون إدراك لتفاصيلها.
تعلّموا هذه العلوم لتدركوا أن الدول لا تتحرك بالعشوائية كما يصوّر إعلامنا، ولا بالبطولات السينمائية، وإنما بخطوات محسوبة، وبمصالح تُوزن بحكمة وذكاء، وبمعلومات دقيقة تُبنى عليها قرارات مصيرية.
حين تدرس هذه العلوم ستعلم أن وراء كل صفقة سلاح رسالة سياسية، وأن كل تحالف له تكلفة، وأن كل تهديد له أساس في موازين القوى، لا في الكلام الموجّه إلى الكاميرا أو في وسائل الإعلام.
ستفهم أن السيادة وامتلاك قرار الحرب والسلام ليستا رفاهية، وأن أكبر نقطة ضعف لدى أي شعب هي أن تظل عقول أبنائه متفرجة لا تشارك في فهم ما يجري حولها.
ادخلوا هذه المجالات لكي نكون للمرة الأولى جزءاً من التفكير الاستراتيجي، لا مجرد جمهور يصفّق أو يغضب بناءً على التوجيهات الإعلامية. فالشعوب التي لا تضم مفكرين في هذه العلوم ستظل دائماً تعيش تحت أمن غيرها.
تصفحوا أهم مؤتمرات الدفاع والأمن، ستلاحظون أن أبرز الباحثين وصنّاع القرار المشاركين فيها من المدنيين، بينما نسبة العسكريين قليلة جداً. وابحثوا عن المسؤولين والمستشارين في وزارات الدفاع بدول العالم المتقدمة، ستجدون أغلبهم مدنيين، من خريجي كليات الإدارة والاقتصاد ودراسات الحرب. وبلا شك، سيأتي اليوم الذي يتغير فيه هذا الواقع لدينا حين يزداد عدد الدارسين المدنيين المتخصصين في هذه العلوم.
ادخلوا هذه المجالات لأننا بحاجة إليها، وبلادنا ستحتاجها أكثر في المستقبل. كي نكوّن كوادر متخصصة في مجالات حساسة، يكون لأصغر قرار فيها أثر يُغيّر شكل الدولة والمنطقة بأكملها.
ادخلوها لأن لا أمن بلا عقل يديره، ولا قوة بلا العارفين بالتكنولوجيا والعقيدة والاستراتيجية.
لقد أصبحنا في زمن الحروب التي لا تقتصر على الدبابات والطائرات، بل تشمل حروب المعلومات، والحروب السيبرانية، والنفسية، وقرارات سياسية تحرّكها تقارير أمنية ومعلومات استخباراتية.
ادخلوها لأنه لا يمكن لأي تغيير حقيقي أن يحدث في أي بلد دون وجود أشخاص يدركون معنى الأمن القومي، ويفرقون بين التهديد الحقيقي والخطاب السياسي، ويعرفون الفرق بين الإشارة والفعل الأمني أو العسكري. يجب أن يكون بيننا من يفهم لغة المصالح، لا لغة الشعارات فقط.
ادخلوها لأن الغرب لا يترك شيئاً للصدفة، فهو يُعلّم أبناءه كيف يخططون ويراقبون ويتوقّعون ويتعاملون. ويُعلّمهم أن الأمن ليس ملفاً سرياً، بل علم يُدرّس ويُحلّل ويُناقش ويُطوّر.
ادخلوها لأننا لطالما استهلكنا أمن غيرنا، واعتمدنا على تحليلات الآخرين، وصدقنا روايات غيرنا. لماذا لا نكون نحن من يفكّر ويفهم ويحلّل ويقدّم روايتنا الخاصة؟ لماذا لا يكون بيننا باحثون عرب في مراكز أبحاث مثل SIPRIوKing’s College، وفي مؤسسات الدفاع البحثية في أوروبا وأمريكا وآسيا؟ لماذا لا نكون نحن من يصوغ المفاهيم بدلاً من أن نستوردها؟
ادخلوها لأن الحرب القادمة لن تكون فقط على الأرض، بل على العقول. وكلما كنا خارج المعادلة، كنّا مجرد أدوات في يد غيرنا.
ادخلوها لأنه حين تفهم منظومة الدفاع والأمن، ستفهم الوضع الحقيقي لبلدك، وكيف يخطط حكامك، وكيف يحتشد عدوك ضدك. وحينها ستتمكن من الرد لا بانفعال، بل بعلم وخطة وبديل.
ادخلوها لأن بلادنا تستحق أن تكون لها مكانة في هذا المجال، والعالم يتجه نحو الشرق. وتاريخنا يستحق، وشعوبنا تستحق أن تعيش في دول تملك عقلاً استراتيجياً.
Researcher