أشارككم بعض الأفكار المفيدة من التقرير المفصل الذي صدر العام الماضي، والذي يحاول استكشاف ودراسة الدور الهامشي لتركيا في التعاون الصناعي الدفاعي الأوروبي منذ نهاية الحرب الباردة. يضيف التقرير سياقًا تاريخيًا بينما يقيّم التحديات والآفاق الحالية المتعلقة بمشاركة تركيا في المشهد الدفاعي الأوروبي، ويقدم تحليلًا متقدمًا للعوامل التي ترسم هذا المسار الفريد.
ويقول إن البيئة الأمنية الجديدة التي وفرتها فترة ما بعد الحرب الباردة قد أطلقت مرحلة مستمرة من التوحيد الصناعي الدفاعي، لا سيما في قطاع الطيران في جميع أنحاء أوروبا. وعلى وجه التحديد، أدى ذلك إلى ظهور حاجة إلى شركات طيران متعددة الجنسيات مثل إيرباص و MBDA لدفع عجلة صناعة الدفاع الأوروبية. وقد بدأت عملية التوحيد في صناعة الدفاع بالفعل في حالة تركيا خلال السبعينيات والثمانينيات، بناءً على الحاجة إلى تحقيق الاستقلالية الاستراتيجية بشكل أساسي. وفي عام 2004، ركزت تركيا على التصميمات المحلية بهدف شامل: تقليل اعتمادها على الشركاء الأجانب وزيادة قوتها الصلبة في مجال الدفاع.
على الرغم من هذه الجهود، ظلت البلاد خارج آليات الدفاع الأوروبية الهامة. أدت الاختلافات السياسية والاستراتيجية، مع نقل أنشطتها من الاتحاد الأوروبي الغربي إلى الاتحاد الأوروبي الغربي الأطلسي، إلى مزيد من الحد من إمكانية مشاركة تركيا في مشاريع الدفاع التعاونية. ويمكن تفسير ذلك إلى حد كبير بمخاوف أمنية خاصة بتركيا، وموقعها الجغرافي الذي يضعها في مفترق طرق، وقرارات سياستها الخارجية التي غالباً ما تتعارض مع قرارات شركائها الأوروبيين.
في حين أن تركيا تتبع مسارًا مستقلًا، مما يؤكد استقلاليتها الاستراتيجية القائمة على المحاولات الوطنية لإنشاء قدرات دفاعية مستقلة، فقد حققت تطورًا ملحوظًا في صناعتها الدفاعية المحلية. وتشمل النجاحات الحالية تطوير فرقاطات من طراز İstif ومركبات جوية بدون طيار متطورة مثل Bayraktar Kızılelma. وتُظهر هذه التطورات زيادة الإرادة السياسية نحو تقليل الاعتماد على التكنولوجيا الأجنبية وتمكين قاعدة التصنيع الدفاعي المحلي.
وقد أدى استمرار هجرة الأدمغة، وارتفاع معدلات التضخم، والاعتماد المفرط على الأنظمة الفرعية المستوردة إلى إعاقة مسار الاستقلالية الاستراتيجية لتركيا. وفي هذا الصدد، توضح الصعوبات التي تواجهها تركيا مدى صعوبة إنشاء صناعة دفاعية مكتفية ذاتياً في بيئة أمنية عالمية سريعة التغير. على الرغم من كل الصعوبات، فإن التحول الاستراتيجي لتركيا نحو تطوير وتصدير تقنيات دفاعية محلية الصنع جعلها لاعباً صاعداً في سوق الدفاع العالمي. وقد مكن هذا التحول تركيا من تلبية احتياجاتها الأمنية وتصبح لاعباً منافساً في أسواق الدفاع الدولية.
يشير التقرير إلى العديد من التحديات التي تواجهها تركيا في سعيها لتحقيق طموحاتها الاستراتيجية بالكامل. فقد أثر ارتفاع معدلات التضخم والتقلبات الاقتصادية على ميزانية الدفاع وعمليات الشراء. هناك عقبة أخرى مهمة تتمثل في هجرة الأدمغة من المهنيين المهرة إلى بلدان أخرى، مما يطرح مشاكل في الحفاظ على القدرات التكنولوجية لتركيا وتطويرها. هناك تحدٍ كبير آخر يتمثل في الاعتماد على الأنظمة الفرعية المستوردة - على الرغم من انخفاضه - وهو نقطة ضعف يجب التغلب عليها للسماح بالاكتفاء الذاتي الحقيقي.
على الرغم من الصعوبات، قامت تركيا ببعض التحولات الاستراتيجية التي وضعتها في مكانة أفضل على الساحة الدفاعية العالمية. استثمرت البلاد بشكل كبير في البحث والتطوير، مما خلق بيئة مواتية للابتكار والتقدم التكنولوجي. علاوة على ذلك، استخدمت تركيا موقعها الجيوسياسي لتشكيل تعاون استراتيجي مع دول خارج الدائرة الأوروبية التقليدية، مثل قطر وأذربيجان وأوكرانيا. سمح هذا التعاون بنقل التكنولوجيا والمشاريع المشتركة وزيادة صادرات الدفاع.
فيما يلي بعض التوصيات التي يقدمها التقرير لتحقيق الإمكانات الكاملة لدور تركيا في التعاون الدفاعي الأوروبي والعالمي. يمكن الاستفادة من مجال التعاون الوثيق مع الدول الأوروبية على أساس ثنائي ومتعدد الأطراف، بما في ذلك الثقة المتبادلة والمشاريع المشتركة، من أجل تعاون أوثق. من جانبها، ستساعد هذه الاتصالات تركيا على الاندماج بشكل أكثر تماسكًا في الهيكل الدفاعي الأوروبي على الرغم من الاختلافات السياسية والاستراتيجية التي شوشت على السنوات السابقة.
على المدى القصير، يجب على تركيا أن تجني كل الفوائد من الميزة التنافسية التي يوفرها انخفاض قيمة الليرة وأن تضمن تعظيم أسواق التصدير. يمكن أن يؤدي التركيز على المناطق التي تعاني من منافسة أوروبية ضعيفة نسبيًا إلى تحقيق مكاسب اقتصادية واستراتيجية كبيرة. كما أن زيادة الاستثمار في البحث والتطوير أمر بالغ الأهمية إذا أريد الحفاظ على القدرات الدفاعية التي اكتسبتها تركيا محليًا وتطويرها. سيضمن هذا الاستثمار بقاء تركيا في طليعة الابتكار التكنولوجي والحفاظ على ميزتها التنافسية في سوق الدفاع العالمي.
يؤكد هذا التقرير على التحديات والفرص الحالية في مجال الصناعات الدفاعية في تركيا. وفي هذا الصدد، هناك حاجة إلى شراكات استراتيجية وابتكارات لتسليط الضوء على دور تركيا في التعاون الدفاعي العالمي. ومع ذلك، فكل نجاح يتم تحقيقه وكل تحد يتم التغلب عليه يضع تركيا في موقع متقدم على الساحة الدولية، مما يجعلها عنصراً أساسياً على الصعيدين الأوروبي والعالمي في مجال الأمن والدفاع.
تتوفر جميع التفاصيل في التقرير لأي شخص مهتم. دعونا نواصل النقاش حول كيفية دفع عجلة التعاون والنمو في هذا القطاع الحيوي. من خلال الاستفادة من نقاط قوتها المميزة ومواجهة التحديات، ستعزز تركيا استقلاليتها الاستراتيجية وستساهم بشكل كبير في مبادرات الدفاع العالمية.
باحث